شهدت أوربا في عصر النهضة خلال القرنين 15 و 16 الملاديين تحولات فكرية وعلمية وفنية، كان دوافعها عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية، بالاضافة الى الحركة الإنسية التي كانت المحرك الأساسي لهذه التحولات.
فهرس المقال
ما المقصود بالحركة الإنسية؟ وما هي دوافع وأسباب هذه التحولات؟ وما هي مرجعيتها الثقافية؟ وما هي مظاهرها وأبعادها الفكرية والعلمية والفنية؟
أولا: أسباب التحولات الفكرية والعلمية والفنية في أوربا خلال القرنين 15 و 16 الملاديين
لعبت الحركة الإنسية دورا مهما في مساعدة أوربا للخروج من عصر الظلمات الى عصر الأنوار، وساعد في انتشارها عدة عوامل، وبالتالي إحداث تحولات فكرية وعلمية وفنية جذرية في أوربا خلال القرنين 15 و 16 الملاديين.
1- ما هي الحركة الإنسية وأهدافها؟
الحركة الإنسية هي حركة فكرية وثقافية نشأت في إيطاليا في القرن 15م ثم انتشرت في كل أوربا الغربية، وعملت هذه الحركة على تحقيق مجموعة من الأهداف منها:
- إحياء التراث الإغريقي واليوناني والروماني القديم من خلال العودة إلى دراسة فلسفتهم وأدبهم وفنونهم القديمة.
- ركزت الحركة الإنسية على الإنسان باعتباره أرقى الكائنات الحية، وأكدت على أهمية العقل والتفكير الحر، ورفضت الخضوع الأعمى للسلطة الدينية.
- اهتمت الحركة الإنسية على تطوير وتجديد مجالات عديدة مثل: الفلسفة، الأدب، الفنون، العلوم، التربية، التعليم، والسياسة.
- لم تكن الحركة الإنسية معادية للدين بالضرورة، ولكنها انتقدت بعض الممارسات الدينية وسعت إلى فصل الدين عن الدولة وتطبيق العلمانية.
2- عوامل انتشار أفكار الحركة الإنسية في أوربا الغربية
كانت هناك مجموعة من العوامل المختلفة التي ساهمت في انتشار أفكار الحركة الإنسية وتأثيرها العميق على المجتمع الاوربي، ومن أبرزها:
- دعم الطبقة البرجوازية: كانت هذه الطبقة تبحث عن التجديد والتغيير، فرحبت بالأفكار الإنسية التي كانت تناقض بعض المفاهيم التقليدية، ودعمتها بالمال اللازم لنشر أفكارها وتشجيع الإبداع الفني والأدبي.
- سقوط القسطنطينية وهجرة العلماء الأوربيين المسيحيين إلى إيطاليا والتنافس بين المدن الإيطالية: أدى سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين سنة 1453م إلى هجرة عدد كبير من العلماء والمثقفين البيزنطيين إلى إيطاليا، حاملين معهم تراثاً معرفياً غنياً، وكانت المدن الإيطالية تتنافس في استقطابهم وتوفير لهم الحماية اللازمة، فساهم وجود هؤلاء العلماء في إحياء الدراسات الكلاسيكية الاغريقية واليونانية والرومانية، والتي كانت من أهم ركائز الحركة الإنسانية.
- اختراع المطبعة: كان لاختراع المطبعة بواسطة الألماني يوهانس غوتنبرغ في سنة 1450م أثر بالغ في نشر الأفكار الإنسية، فقد سهل هذا الاختراع عملية طباعة الكتب والمخطوطات بشكل أسرع وأوسع، مما جعل الأفكار متاحة للجميع وليس حكراً على النخبة الحاكمة.
- الترجمة: تم ترجمة العديد من الكتب والعلوم اليونانية والاغريقة والرمانية والعربية إلى اللغات المحلية، مما ساهم في انتشار المعرفة والعلوم بين فئات أوسع من الناس.
ثانيا: أهم التحولات الفكرية والعلمية والفنية في أوربا خلال القرنين 15 و 16 الملاديين
بعد قرون من التخلف والظلمات، شهدت القارة الأوربية في القرنين 15م و 16م نهضة فكرية وعلمية وفنية غيرت مسار التاريخ الأوربي وأدت الى احداث مجموعة من التغيّرات أبرزها:
1. التحولات الفكرية:
كانت الحركة الإنسية بمثابة شرارة انطلاق التحولات الفكرية في اوربا خلال القرنين 15 و 16 الملاديين، حيث ركزت على إحياء التراث الإغريقي واليوناني والروماني من خلال ترجمة كتب الإغريقين واليونانين والرومانين الى اللغات الأوربية المحلية،
بالاضافة الى دراسة الأدب والعلوم العربية وإعادة ترجمتها وتأليفها لكي يستطيع كل الأوربيين قراءتها ودراستها واستخلاص منها ما يهمهم في صنع التقدم والإزدهار.
كما انتقدت الحركة الإنسية بعض الممارسات الدينية، ودعت إلى فصل الدين عن الدولة، وازداد الاهتمام بالعلوم الطبيعية، بدل الإهتمام بالعلوم الدينية كما كان سابقا.
في نفس الوقت ازداد حجم الإنتاج الأدبي وتنوعت مواضيعه، مثل: الروايات والقصص والقصائد الشعرية، وكتابة السيناريوهات المسرحية.
2. التحولات العلمية:
- اعتماد المنهج التجريبي في الدراسة العلمية: كان الإيطالي ليوناردو دفينتشي هو أول من تبنى هذا المنهج العلمي الذي يقوم على الملاحظة والتجربة والمقارنة للوصول إلى نتائج علمية واقعية بدلًا من الاعتماد على النظريات المجردة التي لا تستند الى دليل علمي.
- تطور الطب: شهد الطب تطورات ملحوظة في عصر النهضة، وظهرت أساليب جديدة لعلاج الأمراض.
- الاهتمام بالرياضيات والفيزياء والعلوم الفلكية: ازداد في عصر النهضة الاهتمام بهذه العلوم وكان من أهم نتائجها اكتشاف العالم كوبرنيك في القرن 16م أن الأرض كوكب يدور حول الشمس، وليس العكس كما كان سائدا من قبل،
3. التحولات الفنية:
شهدت الفنون بصفة عامة نهضة كبيرة، حيث ظهرت أساليب جديدة في الرسم والنحت والعمارة، وتميزت الفنون في هذه الفترة بالفردية والإنسانية، حيث اهتم الفنانون بتصوير الإنسان وعواطفه، وسعى الفنانون إلى تصوير الواقع بشكل أكثر واقعية ودقة.
خاتمة
كانت الحركة الإنسية التي انطلقت من إيطاليا هي المرجعية والمحرك الأساسي للتحولات الفكرية والعلمية والفنية التي عرفتها أوربا خلال القرنين 15 و 16 الميلاديين، والتي أدت الى تحولات جذرية في مجالات أخرى: دينية، وسياسية، واجتماعية.
