شهد النظام التربوي في المغرب، خاصة بعد إقرار الميثاق الوطني للتربية والتكوين والمستجدات التي أتى بها المرسوم رقم 2.02.376، تحولاً جذرياً في مفهوم التنظيم الإداري للمؤسسات التعليمية العمومية، لم تعد المؤسسة مجرد نقطة تنفيذية تابعة للإدارة المركزية، بل أصبحت وحدة تدبير أساسية تتمتع بقدر من الاستقلالية، وتضطلع بمسؤوليات تربوية، وإدارية، ومالية تهدف إلى تحقيق الجودة الشاملة في التعليم.
فهرس المقال
يُعدّ فهم هيكلة الإدارة التربوية في المغرب، ومهام كل من المدير والمجالس المؤسساتية، أمراً حيوياً لأي فاعل تربوي وباحث يسعى لاستيعاب آليات الإصلاح، إن هذا التنظيم ليس مجرد هيكل بيروقراطي، بل هو إطار عمل يهدف إلى مأسسة المقاربة التشاركية وتوزيع المسؤوليات على جميع الفرقاء، من المدير حتى ممثل التلاميذ، وهو ما يُعزّز الحكامة التربوية.
1. الإطار القانوني وهيكلة الإدارة التربوية
يُعتبر المرسوم رقم 2.02.376 الصادر سنة 2002 بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي هو المرجعية القانونية الرئيسية التي تحدد اختصاصات المؤسسات وهيكلتها الإدارية، والتي تنطلق من الإشراف العام لـ الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين.
أ. مكونات الهيئة الإدارية حسب السلك التعليمي
تختلف مكونات الإدارة التربوية في المؤسسات حسب المرحلة التعليمية، لضمان التخصص والفعالية الإدارية:
- المدرسة الابتدائية: يقودها المدير، الذي يتولى مهام الإشراف الشامل، خاصة في الوحدات المدرسية التي قد تتطلب مديراً مساعداً لتتبع سير العمل اليومي.
- الثانوية الإعدادية: تزداد الهيكلة تعقيداً لتشمل المدير، الحارس العام للخارجية (مسؤول عن النظام والانضباط العام)، وربما حارس عام للداخلية في حال توفر أقسام داخلية، بالإضافة إلى ناظر المؤسسة (المكلف بالدراسة).
- الثانوية التأهيلية: تعتبر الهيكلة الأكثر تخصصاً، حيث تضم: المدير، الناظر، مدير الدراسة (خاصة للأقسام التحضيرية)، رئيس الأشغال (في التعليم التقني)، الحراس العامون للخارجية، والحارس العام للداخلية، هذا التخصص يهدف إلى ضمان الإشراف التربوي الدقيق على المستويات العليا والمختلفة (عام، تقني، أقسام تحضيرية).
2. المدير
يقوم المدير بمهام تتجاوز حدود الإدارة المكتبية، فهو يمثل القائد الذي يسهر على تحقيق الأهداف التربوية للمؤسسة، تحت رقابة النصوص التشريعية والمذكرات الجاري بها العمل، وتتمثل مهامه فيما يلي:
- الإشراف العام: الإشراف على التدبير التربوي والإداري والمالي للمؤسسة، ومراقبة العاملين بها، مع الالتزام بتوفير شروط الصحة والسلامة للأشخاص والممتلكات.
- التخطيط الإستراتيجي: إعداد برنامج العمل السنوي الخاص بأنشطة المؤسسة، والعمل على تنفيذه بعد عرضه على مجلس التدبير والمصادقة عليه من قبل مدير الأكاديمية الجهوية، هذا يكرس مبدأ التخطيط التشاركي.
- رئاسة المجالس: يتولى المدير رئاسة جميع مجالس المؤسسة، مما يضمن التنسيق بين مختلف هياكل الحكامة.
- الخدمات اللوجستية: اقتراح توفير وسائل العمل الضرورية، والمساهمة في توجيه وإرشاد التلاميذ لولوج الأقسام العليا المتخصصة.
3. المجالس المؤسساتية
تُعدّ المجالس المؤسساتية هي آليات التنظيم والتدبير التربوي التي تضمن المشاركة والشفافية.
أ. مجلس التدبير: الرقابة والمالية
يُعتبر هذا المجلس هو أعلى هيئة تقريرية في المؤسسة، ويضم ممثلين عن جميع الفرقاء (إدارة، أساتذة، آباء وأولياء التلاميذ).
- المهام الاستراتيجية والمالية:
- المصادقة على مشروع ميزانية المؤسسة للسنة الدراسية الموالية، مما يمنح المؤسسة استقلالية في تدبير مواردها.
- دراسة التدابير الملائمة لضمان صيانة المؤسسة والمحافظة على ممتلكاتها.
- المصادقة على التقرير السنوي العام المتعلق بنشاط وسير المؤسسة (التقرير المالي والإداري).
- إبداء الرأي بشأن مشاريع اتفاقيات الشراكة التي تعتزم المؤسسة إبرامها.
ب. المجلس التربوي: التنسيق البيداغوجي
يركز المجلس التربوي على الجانب البيداغوجي والتنسيق بين المواد.
- المهام التنسيقية:
- إعداد مشاريع برامج الأنشطة الداعمة والموازية وتتبع تنفيذها وتقويمها.
- التنسيق بين برامج ومضامين المواد الدراسية لضمان عدم التكرار والتكامل بين التخصصات.
- تقديم برامج وأساليب العمل التربوي على مدير الأكاديمية للمصادقة.
- مناقشة المشاكل والمعوقات التي تعترض تطبيق المناهج وتقديم اقتراحات لتجاوزها.
ج. المجالس التعليمية: التخصص الديداكتيكي
تتكون هذه المجالس من مدرسي المادة الواحدة (مثل جميع مدرسي اللغة العربية في المؤسسة)، وهي الآلية المثلى لتفعيل الديداكتيك الخاص.
- المهام الديداكتيكية:
- دراسة وضعية تدريس المادة الدراسية وتحديد حاجياتها التربوية.
- التنسيق عمودياً وأفقياً بين مدرسي المادة الواحدة (لضمان توحيد الرؤى والمنهجيات).
- تحديد الحاجيات من التكوين لفائدة المدرسين العاملين بالمؤسسة في مجال مادتهم.
- البحث في أساليب تطوير وتجديد الممارسة التربوية الخاصة بكل مادة دراسية.
د. مجالس الأقسام: التقييم واتخاذ القرار
تُعدّ مجالس الأقسام هيئة تقريرية حاسمة في المسار الدراسي للمتعلم، وتجتمع في نهاية الدورات الدراسية.
- المهام التقريرية:
- البث في نتائج التلاميذ واتخاذ قرارات الانتقال إلى المستويات الموالية أو السماح لهم بالتكرار أو الفصل بناءً على النتائج المحصل عليها.
- تحليل واستغلال نتائج التحصيل الدراسي لتحديد وتنظيم عمليات الدعم والتقوية اللازمة.
- عند اجتماعها كهيئة تأديبية، يُضاف إلى عضويتها ممثل عن تلاميذ القسم يختاره زملاؤه، لضمان تمثيل صوت المتعلم في القرارات التأديبية.
4. أدوار مساعدة الإدارة: الناظر والحارس العام
تُعتبر هذه الأطر الدعامة الأساسية للمدير في تنفيذ الإجراءات اليومية وضمان النظام:
- الناظر (في الثانوي التأهيلي): يتولى تتبع وتنسيق أعمال الموظفين القائمين بمهام العمل التربوي، والسهر على تنظيم العمل التربوي ووضع جداول الحصص الدراسية. كما يُنجز الأعمال التمهيدية لأشغال المجلس التربوي ويطبق مقرراته.
- الحارس العام للخارجية: يركز على تتبع مواظبة وسلوك التلاميذ، ومراقبة النظام والانضباط في القسم الخارجي، وتقديم المشورة للتلاميذ.
- الحارس العام للداخلية: يضطلع بمهام المحافظة على النظام والانضباط في القسم الداخلي والسهر على راحة التلاميذ وضمان استقامتهم ونظافة محيطهم، بالإضافة إلى مراقبة نشاطهم التربوي وتنشيط الحياة الثقافية والرياضية والفنية.
5. التحديات والآفاق المستقبلية للتنظيم الإداري
رغم وضوح الهيكلة القانونية، يواجه التنظيم الإداري المغربي تحديات لضمان تحقيق الجودة، من أهمها:
- تفعيل المجالس: يظل التحدي الأكبر هو تحويل المجالس من مجرد هيئات استشارية إلى هيئات تقريرية فاعلة، قادرة على تجاوز “الاجتماعات الروتينية” لتصبح منبعاً للتخطيط والتجديد.
- نقص الموارد المؤهلة: ضرورة توفير الموارد البشرية المؤهلة لسد الخصاص في أطر الإدارة التربوية، وتوفير التكوين المستمر والضروري.
- الحكامة والشفافية: يجب أن يكون التدبير الإداري أداة لتمكين المدرسين وتحسين تعلمات التلاميذ، وتجنب الفهم الخاطئ لمفهوم الإدارة الذي يفتقد لمهارات الحوار والإصغاء.
إقرا أيضا: تعريف الحياة المدرسية ومجالاتها
خاتمة: القيادة التربوية في خدمة المتعلم
يُمثل التنظيم الإداري لمؤسسات التربية والتعليم العمومي المغربي نظاماً معقداً ومتطوراً، يهدف إلى مأسسة مبدأ الحكامة والقيادة التشاركية، إن الأدوار المتكاملة للمدير، والمجالس، والأطر المساعدة، تصب جميعها في هدف أسمى واحد هو جعل مصلحة المتعلم فوق كل اعتبار، فالمدير هو القائد، والمجالس هي أدوات الديمقراطية، وكل ذلك يصب في خدمة الفعل البيداغوجي، لضمان مدرسة عمومية ذات جودة وتفتح، وقادرة على تكوين أجيال قادرة على مواجهة تحديات المستقبل.
للاطلاع على تفاصيل أكثر حول مهام الإدارة التربوية بمختلف فئاتها، يمكنك مشاهدة هذا الفيديو: أدوار و إختصاصات أطر الإدارة التربوية بجميع فئاتها و مجال إختصاصات مجالس المؤسسة.



