التواصل البيداغوجي: التعريف – الاهداف – المظاهر – المعيقات

يعد التواصل البيداغوجي العصب الحسي الذي يربط أطراف العملية التعليمية: المدرس (المرسل)، المتعلم (المستقبل)، والمادة الدراسية (الرسالة)، إنه ليس مجرد عملية تقنية لتبادل المعلومات، بل هو مجموع الأفعال اللفظية وغير اللفظية، كالأفكار والمشاعر، التي تسود داخل القسم في سياق تعليمي هادف، فهم عوائق التواصل البيداغوجي هو مفتاح تجويد الأداء الصفي.

1. التعريف والأهداف: لماذا نتواصل بيداغوجياً؟

أ. تعريف التواصل البيداغوجي

ينقسم التواصل البيداغوجي إلى بعدين رئيسيين:

  • التواصل اللفظي (Verbal): هو مجموع المعارف والأفكار والآراء والمشاعر التي يتم تبادلها عبر أشكال التخاطب والتواصل (لغة الكلام المباشر، المناقشة، الأسئلة).
  • التواصل غير اللفظي (Non-Verbal): يشمل كافة أشكال التواصل الصامت والحركي (كاللباس، وطريقة الكلام، والحركات، والإشارات) التي تنقل رسائل ضمنية للمتعلم.

ب. الأهداف والغايات

يهدف التواصل البيداغوجي الفعّال إلى تحقيق غايتين أساسيتين:

  1. اجتماعياً: تحقيق وحدة الجماعة والوصول إلى تماسكها، مما يخلق بيئة تعلم آمنة وإيجابية.
  2. بيداغوجياً: سهولة تمرير الرسالة التربوية (سواء كانت سلوكية، لغوية، أو قيمية) وتحقيق معرفة متعلمة سهلة الاستيعاب.

2. مظاهر التواصل وأنماطه في الفصل

يتخذ التواصل البيداغوجي داخل الفصل مظاهر وأنماط مختلفة ترتبط بالنموذج البيداغوجي المعتمد:

أ. النمط العام (الاتجاه)

  • التواصل الفردي (Vertical/عمودي): يتدفق في اتجاه واحد من المدرس إلى المتعلم، وغالباً ما يسود في الطرق التقليدية التي تجعل المتعلم متلقياً سلبياً.
  • التواصل الأفقي (Horizontal/جماعي): يتدفق بين المتعلمين أنفسهم، أو بين أعضاء جماعة القسم، وهو شرط أساسي لإنجاح التفاعل الجماعي الإيجابي والتعلم التعاوني.
  • التواصل ثلاثي الأبعاد (الديمقراطي): هو الأفضل، حيث يشمل التواصل بين المدرس والمتعلم، وبين المتعلمين أنفسهم، مما يخلق شبكة تفاعلية معقدة.

ب. مظاهر التفاعل (ثنائيات الأقطاب)

يتمظهر التواصل من خلال التفاعل بين الأطراف، إما:

  • من المدرس إلى المتعلم أو العكس: يمثل التواصل الفردي المباشر.
  • من التلميذ إلى التلميذ: يمثل التفاعل الجماعي الإيجابي وضرورة التكامل بين أفراد المجموعة.

3. معوقات التواصل البيداغوجي: مصادر التشويش

يواجه التواصل البيداغوجي مجموعة من التحديات والعوائق التي تقلل من كفاءته وتمنع تحقيق الأهداف، هذه العوائق يمكن تصنيفها حسب مصدرها (المرسل، الرسالة، السياق):

أ. عوائق مصدرها المرسِل (المدرس)

ترتبط هذه العوائق بشخصية المدرس ومهاراته المهنية:

  • ضعف التكوين: عدم إتقان المدرس لمهاراته التواصلية أو لطرائق التدريس.
  • الصفات النفسية والأخلاقية: افتقاده لصفات القائد (كـ اللين، والهدوء)، أو أن يكون سلوكه خشناً أو مصاباً بتشتت الذهن.
  • التواصل غير اللفظي: يكون لغة جسده أو طريقة كلامه أو لباسه وحركاته سلبية أو غير ملائمة، مما يعيق وصول الرسالة الوجدانية المطلوبة.

ب. عوائق مصدرها المرسَل إليه (المتعلم)

ترتبط هذه العوائق بالمتلقي وحالته النفسية والمعرفية:

  • غياب روح الجماعة: لا تسود بين التلاميذ روح التعاون أو الدينامية المطلوبة.
  • الحالة النفسية: عدم الرغبة في استقبال الرسالة، أو التعرض لـ اضطراب نفسي (كالتوتر وعدم الاتزان الانفعالي).
  • المستوى المعرفي: ضعف القدرة على الاستقبال وحل الرسالة وتفسيرها، أو اختلاف المرجعية الثقافية واللغوية.

ج. عوائق مصدرها الرسالة والسياق

  • الشفرة (الرسالة/المحتوى): أن تكون اللغة المستعملة فوق مستوى التلاميذ (الغموض والتجريد)، أو أن تعاني الرسالة من الحشو والمعلومات الزائدة التي تشتت التركيز.
  • الوسائل: الافتقار إلى وسائل الإيضاح والوسائل التعليمية (كـ الخرائط، والرسوم البيانية).
  • المحيط (السياق): الظروف المحيطة بالتواصل، مثل ضجيج القاعة، أو الظروف المادية غير الملائمة لعملية الدخول والخروج.

4. سبل تجاوز المعوقات وتحقيق الفعالية

لتجويد التواصل البيداغوجي، يجب على المدرس التحول إلى منشط وموجه يراعي مجموعة من المبادئ:

  1. مراعاة الفروق الفردية: تكييف اللغة والطرائق لمراعاة خصوصية التركيب السيكولوجي والمعرفي للمتلقين.
  2. الإصغاء النشط: يجب على المدرس أن ينصت جيداً للمتعلمين، فالإصغاء يولد الثقة، ويعيد للمتعلم قيمته، ويساعد على بناء عالمه الداخلي.
  3. الوضوح والتدرج: استخدام أمثلة وخبرات مألوفة، والابتعاد عن الألفاظ الغريبة، واعتماد مبدأ التدرج والتيسير في نقل المعرفة.
  4. تفعيل التواصل الوجداني: إظهار التعاطف والحنو والرغبة الصادقة في نقل المعرفة، فهذا يُنشئ الثقة ويجعل التواصل أكثر سلاسة وفعالية.

إن التواصل البيداغوجي الناجح هو الذي تتداخل فيه الأنواع اللفظية وغير اللفظية بوعي ومهارة، ليصبح ممراً للقيم الاجتماعية والثقافية، ومحوراً لجودة التعلم.

إقرا المزيد: ما هو التواصل البيداغوجي غير اللفظي وما هي أشكاله؟

لمزيد من المعلومات حول كيفية إدارة التفاعلات الصفية لتحسين التواصل البيداغوجي، يمكنك مشاهدة الحلقة 16 من دورة علوم التربية : التواصل التربوي.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *