يعد التواصل في البيئة التعليمية عملية إنسانية معقدة لا تقتصر على الكلمات المنطوقة، بل يمتد ليشمل ما يُعرف بـ التواصل البيداغوجي غير اللفظي، هذا التواصل الصامت هو “لغة الجسد” التي يستخدمها المدرس والمتعلم للتعبير عن المشاعر، النوايا، ومستوى الفهم، وغالباً ما يكون تأثيره على نجاح الدرس أقوى وأكثر ثباتاً من الرسائل اللفظية نفسها.
فهرس المقال
1. تعريف التواصل البيداغوجي غير اللفظي
التواصل البيداغوجي غير اللفظي هو: مجموع الإشارات، والإيماءات، والتعابير، والأوضاع الجسدية، التي تصدر عن المدرس أو المتعلم، بشكل شعوري أو لا شعوري، والتي تنقل رسائل تعليمية أو وجدانية تدعم أو تنفي الرسالة اللفظية، وذلك في سياق الموقف التعليمي.
أ. لماذا هو حاسم في البيداغوجيا؟
يُعتبر هذا التواصل بمثابة رأس مال بيداغوجي هام يجب الاستثمار فيه لعدة أسباب:
- دعم الإقناع والتأكيد: لغة الجسد هي لغة توكيدية، فهي تؤكد وتدعم المعلومات التي يقدمها المدرس شفهياً، مما يزيد من ثباتها في ذهن المتعلم.
- خلق الانطباع الأولي: الانطباع الأول الذي يتركه المدرس (عبر وضعيته وهيئته) يتكون خلال ثوانٍ قليلة، وهذا الانطباع يؤثر على ثقة الطلاب في كفاءته.
- تجسيد الكفاءات: استخدام لغة الجسد يجسد كفاءات الدرس التعليمي، ويساعد على ترسيخ المعارف في أي مجال دراسي.
- تخطي الحواجز: النظرات والابتسامات والحركات الرقيقة هي الطرق البسيطة التي تجذب انتباه التلميذ برقة بدلاً من أن تُجتذب عنوة.
2. أشكال التواصل غير اللفظي ودلالاتها
تتعدد أشكال التواصل غير اللفظي في الفصل، ويمكن تقسيمها حسب الجزء الذي يصدر منه الإشارة:
أ. أشكال التواصل البصري وتعابير الوجه
هذا النوع هو الأهم في خلق العلاقة الوجدانية وتنمية الثقة:
- التواصل البصري والنظر إلى التلاميذ: يعني إبداء الاهتمام بكل واحد من المجموعة، يجب على المدرس أن يحرص دائماً على التواصل البصري مع كل تلميذ على حدة، ليشعره بأنه مُهتم به شخصياً ومُهتم بوجوده.
- بشاشة الوجه والابتسامة: تعني إبداء الترحيب بكل فرد، الابتسامة هي لغة قوية تزيد وجه الإنسان جمالاً، وتزيد الثقة والمحبة بينه وبين تلاميذه.
- حدس الرأس (هز الرأس): يشير إلى الاستغراب، والعمق، ونفاذ البصيرة.
ب. أشكال السلوك الحركي والوضعية الجسدية
تؤثر وضعية الجسم في كيفية استقبال الطلاب للرسائل وتكشف عن نوايا المدرس:
- الوقوف بثبات ووضعية دالة على الحنان: يشعر كل تلميذ أن المدرس على استعداد لاحتضانه (قبوله)، وهذا يعزز الشعور بالراحة والانفتاح.
- تجنب الحواجز: يُنصح بتجنب البداية خلف مكتب أو حاجز، لكي لا يحس التلميذ أن المدرس مفصول عنه أو بعيد منه.
- الإيماءات واليدين:
- مد اليد المفتوحة: تعني الكرم والانفتاح.
- وضع اليدين على الشفاه: يعني التفكير العميق، أو نفاذ الصبر، أو الصمت.
- تشبيك اليدين: قد يعني الحزن أو الترقب أو الثقة.
ج. أشكال الانضباط غير اللفظي
يمكن للمدرس استخدام لغة الجسد في التربية ليعكس الحزم والجدية دون الحاجة للتوبيخ اللفظي:
- الوقوف بثبات وبجسد مشدود: يعطي انطباعاً بالحزم، ويحدد حدود السلوك الواضحة في الصف.
- الإشارة المحكمة: استخدام إيماءة يد للتفريق بين الطلاب عند الخلاف، أو الإشارة للجلوس بهدوء، مما يفرض الانضباط بهدوء.
3. أهمية التفسير السياقي والمهارة في التوظيف
من الضروري التأكيد على أن حركات التلاميذ التي تصدر في تحقيق التواصل يجب أن تكون مفسرة سياقياً وليس عاماً، قد تكون الإشارة الواحدة تعني الملل في سياق، أو التركيز في سياق آخر. المدرس الكفؤ هو الذي يمتلك مهارة:
- القراءة: قراءة لغة جسد الطالب (كسرعة حركته، نظراته، وضعية يديه) لتحديد إن كان يعاني من ارتباك أو فهم.
- الكتابة: استخدام حركاته لـ إيصال الأفكار بأكمل وجه وتجسيد المعرفة، يجب أن يكون هناك تناغم بين الرسائل البصرية واللفظية.
إن التواصل البيداغوجي غير اللفظي هو أداة قوية لـ تنمية مهارة التحدث والاستماع لدى الأطفال، وزيادة قدرتهم على الانتباه والتركيز، بل ويساعدهم في بناء العلاقات الشخصية والمهنية في المستقبل، لذلك فإن تطوير هذه المهارة هو خطوة أساسية لكل مربي يسعى إلى تحسين نتائج التعلم وتوفير بيئة تعليمية إيجابية وفعالة.
إقرا أيضا: التواصل البيداغوجي: التعريف – الاهداف – المظاهر – المعيقات
لتعميق فهمك حول كيفية تحليل لغة الجسد للمدرسين والطلاب، يمكنك مشاهدة فيديو تحليل لغة الجسد للمدرسين وإزاي يتعاملوا مع الطلاب!!.



