المنهاج التربوي المغربي: المكونات – الغايات – التحديات

تتجه المنهاج التربوي المغربي في سياق الإصلاحات المتتالية (منذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين وصولاً إلى الرؤية الاستراتيجية 2015-2030) نحو بناء شخصية المتعلم بشكل متكامل، تربوياً، ومعرفياً، ومهنياً هذه المنهاج ليس مجرد قائمة بالمواد، بل هو نسق متكامل منسجم من المحتويات والمواقف التعليمية المطبقة حسب نظام تطوري، كما عرفه “دوكشير“.

الكلمات المفتاحية مثل محددات المنهاج التربوي المغربي ومدخل التربية على القيم تُظهر أن الاهتمام في المغرب انتقل من التركيز على المضامين إلى جودة المنتوج التربوي، بما يتوافق مع متطلبات العصر والحضارة الإنسانية.

1. مكونات المنهاج التربوي وأبعاده

يقوم المنهاج التربوي، وفقاً للتصورات الحديثة (مثل تصور تايلور)، على أربعة عناصر أساسية متكاملة: الأهداف، والمحتويات، والتنظيم (الأنشطة)، والتقويم. إلا أن المنهاج المغربي يُنظر إليه من خلال ثلاثة أنواع رئيسية تتباين في درجة ظهورها وتأثيرها:

  • المنهاج الرسمي (Le curriculum formel): هو مجموع الأهداف والمضامين التي يتم إعدادها والموافقة عليها رسمياً من قبل الحكومة، ويُعد بمثابة المنهاج النموذجي الذي يجب تنفيذه.
  • المنهاج الواقعي (Le curriculum réel): هو ما يتم تنفيذه فعلاً على أرض الواقع داخل الفصل، وغالباً ما يختلف عن المنهاج الرسمي بسبب الإكراهات البيداغوجية والديداكتيكية.
  • المنهاج الخفي (Le curriculum caché): هو الأفكار والإيديولوجيات والقيم التي يتم تمريرها بطريقة ضمنية وغير مباشرة للمتعلمين، سواء من خلال الكتب المدرسية، أو سلوك المدرسين، أو الجو العام للمؤسسة.

2. محددات المنهاج وغاياته الكبرى (المرجعيات)

تنطلق المنهاج التربوي المغربي من مرجعية دستورية أساسية، تتمثل في الميثاق الوطني للتربية والتكوين (1999) والرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 (القانون الإطار)، والتي تحدد غاياته وأسسه:

أ. على مستوى الهوية والانفتاح

  • ترسيخ الهوية: التأكيد على الهوية المغربية الحضارية المتنوعة، والوعي بتعدد روافدها (العربية، الأمازيغية، الإفريقية، الأندلسية، والمتوسطية)، مع الحرص على التفاعل والتكامل بينها.
  • الانفتاح على الحضارة الإنسانية: تزويد المتعلم بفرصة استيعاب إنتاجات الفكر الإنساني في مختلف تمظهراته ومستوياته، والانفتاح على مكاسب ومنجزات الحضارة المعاصرة.

ب. على مستوى القيم والمواطنة

يرتكز المنهاج على التربية على القيم كمدخل أساسي للإصلاح، ويسعى إلى ترسيخ مجموعة من القيم العليا:

  • القيم الوطنية والإنسانية: تكريس حب الوطن، وتعزيز الرغبة في خدمته، وتنمية الوعي بالواجبات والحقوق، والتأكيد على قيم التضامن والنزاهة.
  • قيم المعاصرة والديمقراطية: التربية على المواطنة وممارسة الديمقراطية، والتشبع بروح الحوار والتسامح وقبول الاختلاف، وترسيخ قيم المعاصرة والحداثة.
  • قيم التعلم مدى الحياة: الانفتاح على التكوين المهني المستمر، وتكريس حب المعرفة وطلب العلم والبحث والاكتشاف.

3. المداخل الناظمة للإصلاح البيداغوجي

لتحويل هذه الغايات الكبرى إلى واقع تطبيقي، تعتمد الفلسفة التربوية المغربية على خمسة مداخل كبرى توجه عملية بناء المنهاج وتصريفها:

أ. مدخل القيم

يضمن أن كل محتوى يتم تدريسه يجب أن يكون مشبعاً ومترجماً للقيم العليا للمجتمع المغربي (المواطنة، التسامح، حقوق الإنسان)، بحيث لا تظل القيم مجرد معارف نظرية.

ب. مدخل الكفايات

يشكل هذا المدخل ثورة على بيداغوجيا الأهداف الجزئية، يهدف إلى تمكين المتعلم من الكفايات الأساسية (كفاية استراتيجية، تواصلية، منهجية، ثقافية، وتكنولوجية)، وهي القدرة على تعبئة وإدماج مجموعة من الموارد (معارف، مهارات، قيم) لمعالجة وضعيات مركبة وحل المشكلات، هذا يركز على المنتوج التربوي وقدرة الطالب على التوظيف العملي للمكتسبات.

ج. مدخل التربية على الاختيار

يهدف إلى تمكين المتعلم من ممارسة قدرته على اتخاذ القرارات وتحمل مسؤوليتها في سياقات مختلفة، مما ينمي استقلاليته في التفكير والممارسة.

د. مدخل المضامين

يتعلق بأسس بناء المحتويات وتنظيمها بشكل متكامل ومتدرج (الاستمرارية والتدرج) عبر الأسلاك التعليمية، مع مراعاة ملاءمة هذه المضامين للحاجيات الاجتماعية والاقتصادية للمحيط.

هـ. مدخل تنظيم الدراسة

يتعلق بالهيكلة الإدارية والبيداغوجية لنظام التربية والتكوين، بما في ذلك تنظيم الأسلاك، وتحديد عتبات الانتقال، وتفعيل مجالس المؤسسة.

4. التحديات الكبرى للمنهاج المغربي

على الرغم من الطموح الكبير الذي حمله المنهاج التربوي المغربي، وخاصة في مراحله الإصلاحية الحديثة (كـ الكتاب الأبيض والجودة في التعليم الأولي)، إلا أن تنزيله يواجه تحديات حقيقية:

  • إشكالية التنزيل: هناك تفاوت كبير بين الخطاب الرسمي حول القيم والكفايات، وبين الممارسة الفعلية داخل الفصل، حيث يغيب في كثير من الأحيان التخطيط العملي الناجع والاستراتيجيات الواضحة لتنزيل هذه القيم.
  • الفوارق الاجتماعية: يظل تحدي تحقيق تكافؤ الفرص قائماً، حيث تؤثر الفوارق القائمة بين المناطق القروية والحضرية، والفوارق الاجتماعية، على جودة التعليم المقدم، رغم أن الهدف هو مدرسة عمومية ذات جودة واحدة للجميع.
  • شيخوخة الوضعيات: بعض الممارسات لا تستحضر جديد البحث التربوي وتعتمد على طرق تقليدية ترتكز على الحفظ والتلقين، مما يجعل المنهاج يُنتج نتائج دون المستوى المطلوب في الترتيبات الدولية.

إقرا أيضا: أهم مراحل اصلاح التعليم في المغرب

باختصار، يُمثل المنهاج التربوي المغربي رؤية مجتمعية شاملة لإعداد مواطن متوازن، واعٍ بهويته ومُنفَتِح على العالم، وفاعل في التنمية، لكن نجاحه يبقى مرتبطاً بالقدرة على تحويل المبادئ النظرية الكبرى إلى ممارسات صفية يومية فعالة، وتعبئة مجتمعية حقيقية لإنجاح هذا الإصلاح المصيري.

يقدم هذا الفيديو: أهم مراحل إصلاح قطاع التعليم بالمغرب، تحليلاً عاماً للمراحل التي مر بها إصلاح قطاع التعليم بالمغرب، بما في ذلك أهم محطات هذا الإصلاح ومرجعياته.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *