تُمثل بيداغوجيا التعاقد أحد أبرز الاتجاهات التعليمية الحديثة التي تسعى إلى تحسين فعالية التعلم من خلال بناء علاقات تعاون بين المعلم والطالب.
فهرس المقال
فما هي بيداغوجيا التعاقد؟ وما هي أنواعها؟ وكيف تساهم في تحسين جودة التعلم؟.
1- تعريف بيداغوجيا التعاقد
وجود تعاقد غالبا ما يحي الى وجود اتفاق حر بين جانبين على نهج اسلوب او خطة او سياسة معينة لمعالجة وضعيات او قضايا مشتركة.
أما في مجال التربية والتعليم فالمقصود بـ التعاقد هو ذلك العقد الودي الشفوي الذي يبرمه الاستاذ مع تلامذته من اجل الاتفاق على القانون الداخلي للفصل، ويضم مجموعة من القواعد التي تنضم علاقة الاستاذ بالتلاميذ او الطلاب من خلال تحديد مثلا: طبيعة السلوك والجلوس داخل الفصل – طريقة اداء الواجبات المنزلية – امور اخرى خاصة بالتقويم وفروض المراقبة المستمرة … الخ.
وعلى هذا الاساس يمكن تعريف بيداغوجيا التعاقد على أنها اجراء بيداغوجي يقوم به المعلم مع المتعلمين من اجل احداث اتفاق متفاوض عليه يضم مجموعة من الاليات التي ترضي كلى الطرفين من اجل بلوغ الاهداف المرجوة من الحصص الدراسية (معرفية – منهجية – سلوكية) بنوع من السلاسة والسهولة دون عنف او اكراه.
2- كيف يتم تطبيق بيداغوجيا التعاقد داخل الفصل؟
تطبيق بيداغوجيا التعاقد داخل الفصل تختلف من معلم لآخر على حسب قدرته التواصلية مع المتعلمين.
على سبيل المثال يمكن للأستاذ او المعلم ان يحاور تلامذته بالقول: كما تعلمون أن هدفنا الاسمى من هذه الحصص الدراسية هو ان نشتغل جميعا داخل الفصل بطريقة تضمن لكل شخص منّا الشعور بالاحترام والامان، حتى نتمكن من بلوغ هذا الهدف، دعونا أعزاءي عزيزاتي الاتفاق على مجموعة من القواعد والارشادات توضح حقوق وواجبات كل طرف منّا.
وفي هذه الاثناء يمكن للمعلم طرح كل ما يراه مناسبا فيما يخص بنود الاتفاق، مع توضيح ثلاث امور في تلك البنود:
- نوعية البند
- اسباب وضع البند
- عواقب مخالفة البند
وبعدها يطرح السؤال الاتي: هل هناك أي اقتراحات أو تعقيبات؟
ثم بعد ذلك يعطي الكلمة لكل متعلم أراد إبداء رأيه حول الموضوع او يقترح بعض الاقتراحات، كوسيلة لخلق جوّ الحوار والمناقشة.
بعد الانتهاء من المناقشة التي قد تجعل المعلم يقوم ببعض التعديلات على بنود الاتفاق وفق ما يراه مناسبا و ارضاء كذلك لأغلبية اراء المتعلمين، يمكن أن يطلب من تلامذته التصويت على ما جاء في بنود الاتفاق، وإن رأى أن الاغلبية الساحقة رضيت به يمكنه بعدها اخراج كل بنود الاتفاق في ورقة ويعلقها في مكان يمكن للجميع رؤيتها داخل الفصل الدراسي.
وبالتالي نستنتج أن الأسس التي تقوم عليها بيداغوجيا التعاقد هي: الحرية – التفاوض – الالتزام والاحترام.
3- أنواع التعاقد البيداغوجي
بيداغوجيا التعاقد جاءت لتؤطر العلاقة ما بين المعلم والمتعلمين، لكن بالرغم من ذلك يمكن تقسيم التعاقد البيداغوجي الى 3 أنواع:
📌 التعاقد الذاتي: وهو التعاقد الاولي الذي يقوم به الاستاذ مع ذاته للإتزم بكل القواعد التي قد تمكّنه من تقديم أقصى ما لديه من معرفة وتعليم.
📌 التعاقد الفردي: وهو التعاقد الذي يكون بين الاستاذ وأحد المتعلمين الذي يواجه ظروف خاصة قصد مساعدته على التعلم دون أن تؤثر عليه تلك الظروف القاسية.
📌 التعاقد مع مجموعة: وذلك في حالة إن قام المعلم بتقسيم الفصل إلى مجموعات حسب المستوى و الكفاءات، فيمكنه في هذه الحالة التعامل مع كل مجموعة على حدى وفق اتفاق يتناسب مع قدرات كل مجموعة.
📌 التعاقد مع الفصل: وهو التعاقد الذي يبرمه المعلم مع كل المتعلمين داخل الفصل وهو الذي تطرقنا له قبل قليل.
تساهم هذه الأنواع من بيداغوجيا التعاقد في تكريس التعلم النشط وزيادة التفاعل بين المعلم والطالب، مما يجعل عملية التعليم أكثر تأثيرًا وفاعلية في تحقيق نتائج تعليمية إيجابية.
إقرأ أيضا: تعريف بيداغوجيا الادماج مفهومها ومبادئها
4- التحديات التي قد تواجه بيداغوجيا التعاقد
تعتبر بيداغوجيا التعاقد من الأساليب التعليمية المبتكرة التي تتيح للمعلمين والطلاب بناء علاقة تعاونية تهدف إلى تحسين عملية التعلم، ومع ذلك فإن تطبيق هذه الاستراتيجية قد يواجه عدة تحديات تعيق نجاحها.
أحد أبرز التحديات هو عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات بين المعلم والطالب، لأن في بعض الأحيان قد يشعر الطلاب بالارتباك حول ما هو متوقع منهم، مما يؤدي إلى نقص في الالتزام أو عدم استجابة كافية للمهام الموكلة إليهم، لذا من الضروري وضع معايير واضحة للاتفاقيات وتقديم الدعم اللازم للطلاب لفهم دورهم في هذه العملية التعاقدية.
تحدي آخر هو مقاومة التغيير، حيث قد يجد بعض المعلمين صعوبة في التكيف مع هذا النموذج التعليمي الجديد بعد سنوات من التعليم التقليدي، ويتطلب اعتماد بيداغوجيا التعاقد تغييرًا في التفكير والنهج التعليمي، مما قد يكون مرهقًا لبعض المعلمين.
أيضًا، قد تواجه بيداغوجيا التعاقد قيودًا زمنية، لأنها تحتاج إلى وقت كافٍ لبناء العلاقات وتطوير الفهم المشترك بين المعلم والمتعلمين، ومن الصعب ضمان أن الاتفاق من الوهلة الأولى سيتم بسهولة ونجاح كافي.
علاوة على ذلك، قد يؤثر اختلاف مستويات التحصيل الدراسي والقدرات الفردية بين المتعلمين على نجاح بيداغوجيا التعاقد، لذلك يجب على المعلم أن يكون مهيأً لتقديم دعم فردي وتكييف الأنشطة لتناسب احتياجات كل طالب.
من خلال الوعي بهذه التحديات والاستعداد لمواجهتها، يمكن للمعلمين والطلاب تحقيق أقصى استفادة من هذا النموذج التعليمي المبتكر.
5- خلاصة واستنتاجات حول بيداغوجيا التعاقد
بيداغوجيا التعاقد تعتبر نموذجًا تعليميًا متقدمًا يسعى إلى رفع التفاعل بين المعلم والمتعلمين من خلال تأسيس اتفاقيات واضحة حول الأهداف والموارد المستخدمة في العملية التعليمية، ومن خلال هذه المنهجية، يتمكن الطلاب من أخذ دور أكثر فعالية في تعلمهم، مما يزيد من شعورهم بالمشاركة والمسؤولية تجاه تعليمهم.
تشير نتائج العديد من الدراسات إلى أن بيداغوجيا التعاقد تُحسن .مهارات التفكير النقدي والتعاون، حيث يتعلم الطلاب كيفية العمل مع زملائهم ووضع استراتيجيات مشتركة لتحقيق الأهداف المحددة، كما أن هذا النموذج يساعد على تحسين مستوى التحصيل الدراسي، حيث يشعر الطلاب بالتشجيع والدعم من معلميهم، مما يساهم في بناء بيئة تعليمية إيجابية.
يمثل هذا النموذج من البيداغوجيا خُطوة مهمة نحو تعليم يتسم بالمرونة والابتكار، لذلك يمكن القول إن بيداغوجيا التعاقد ليست مجرد أسلوب تدريس، بل هي فلسفة تعليمية تساهم في إعداد جيل قادر على التفكير النقدي والإبداع، مما يعزز من قدراتهم على مواجهة تحديات المستقبل.