مقدمة: حين يتحول التكاتف إلى قيد
العمل ضمن فريق أو جماعة هو حجر الزاوية في نجاح معظم المؤسسات، فكرة تبادل الخبرات وتكامل المهارات تبدو مثالية على الورق، لكن الواقع العملي يُظهر جانباً آخر أقل بريقاً.
فهرس المقال
فـدينامية الجماعة ليست مجرد قوة إيجابية دافعة نحو النجاح، بل هي أيضاً خليط من التفاعلات البشرية المعقدة التي يمكن أن تخلق مشاكل العمل الجماعي، مما يقود إلى نتائج عكسية تماماً.
لقد ألقت الخبيرة نيكول ليبكين، في كتابها القيّم “ما الذي يبقي القادة مستيقظين في الليل”، الضوء على هذه سلبيات دينامية الجماعة التي قد تُفشل الفرق الأكثر موهبة.
في هذا المقال، سنغوص في تلك الأضرار الجوهرية بأسلوب بسيط ومفهوم، لنفهم كيف يصبح الفريق سبباً في تراجع أفراده وإنتاجيتهم.
1. حدة المنافسة: متى تتحول الحماسة إلى تفرقة؟
يُعتقد أن المنافسة بين أعضاء الفريق صحية، فهي تدفع الجميع لتقديم أفضل ما لديهم، لكن كما يشير الخبراء، إذا ارتفعت وتيرة هذه المنافسة أكثر من اللازم، تبدأ معوقات العمل الجماعي بالظهور.
عندما تصبح المنافسة الحادة هي الأساس، تبدأ الجماعة في الانقسام وتتشكل تحالفات داخلية صغيرة، يتحول الهدف المشترك إلى أهداف شخصية، ويصبح تركيز كل عضو على التفوق الشخصي بدلاً من نجاح الفريق ككل.
عقلية “هم مقابل نحن”
تصف نيكول ليبكين هذه الظاهرة بأنها تحوّل في روح المنافسة إلى عقلية “هم مقابل نحن”، هذا يعني أن شعور الفرد بالانتماء للجماعة يأتي على حساب الآخرين أو على حساب الفريق الأكبر، مما يجعله يشعر بالانفصال عن باقي الأعضاء الذين لا يعملون بالضرورة نحو هدف واحد متكامل، النتيجة هي تقسيم الجماعة إلى مجموعات صغيرة مختلفة لا تعمل بالهدف نفسه، بل تصب جهودها في تعزيز مصالحها الذاتية، هذا التشرذم هو من أبرز أضرار ديناميكية الجماعة على تماسك الفريق.
2. الولاء المفرط: خنق الإبداع والتفكير النقدي
من الطبيعي أن يُظهر الأعضاء ولاءً لفريقهم وقائدهم، لكن ماذا يحدث عندما يتحول هذا الولاء إلى شكل “متطرف”؟
الولاء المفرط هو أحد أخطر سلبيات دينامية الجماعة على الإطلاق، لأنه يشجّع على التوافق التام ويقتل أي تفكير ناقد أو معارضة، يشعر أعضاء الفريق بأنهم مجبرون على الاتفاق مع القرار السائد أو رأي الأغلبية أو القائد خوفاً من الرفض أو النبذ من الجماعة.
خطر خنق الإبداع
هذا النوع من الولاء يهدد بـخنق الإبداع والابتكار، القادة عندما يحيطون أنفسهم بأعضاء يظهرون ولاءً شديداً، قد يخاطرون بتفويت الحلول الأفضل والأكثر إبداعاً لأن أحداً لن يجرؤ على تحدي الوضع الراهن أو الإشارة إلى الأخطاء، يتم تفضيل “سلامة الجماعة” على “صحة القرار”، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات متسرعة أو ناقصة بناءً على الإجماع الظاهري، بدلاً من التحليل النقدي العميق.
هذا الولاء الشديد يشبه إلى حد كبير “التفكير الجماعي” (Groupthink)، وهو مفهوم نفسي يصف الحالة التي يسعى فيها أعضاء المجموعة إلى تقليل الصراع والتوصل إلى قرار توافقي دون تقييم نقدي للأفكار المطروحة.
3. عدم الاعتراف بالجهد الفردي: بوابة الكسل الاجتماعي
في كثير من الأحيان، عندما يُنجز العمل ضمن فريق كبير، يتم الاحتفال بالنتيجة الجماعية، ويُغفل الجهد الفردي الذي بذله كل عضو، هذا الغياب عن الاعتراف يؤدي إلى ظهور مشكلة نفسية اجتماعية خطيرة تُعرف باسم “الكسل الاجتماعي” (Social Loafing).
ما هو الكسل الاجتماعي؟
الكسل الاجتماعي هو ظاهرة يقوم فيها الأفراد ببذل جهود أقل عند العمل في جماعة مقارنة بما يبذلونه وهم يعملون بشكل فردي.
يعتقد الفرد أن جهده الخاص لن يتم الاعتراف به أو تقديره بشكل كافٍ في النهاية، أو أنه سيضيع ضمن جهود الآخرين، لذلك يبدأ بتقديم جهود “منخفضة” معتمداً على أن باقي أعضاء الفريق سيغطون على تقصيره، هذا التراخي يتراكم ليصبح عبئاً على أعضاء الفريق النشطين، ويُفقد الفريق كفاءته الإجمالية.
تقول نيكول ليبكين: “كيف يمكن للقادة إصلاحها؟” وتجيب بأن الأمر يتعلق بجعل كل عضو يشعر بأنه مسؤول عن جزء من العمل وليس مجرد جزء من آلة كبيرة لا تلتفت إلى جهده الخاص، فغياب الشعور بالملكية الفردية هو أحد أعمق أضرار ديناميكية الجماعة.
4. تأثير الموقف السلبي: العدوى العاطفية في بيئة العمل
المزاج والحالة العاطفية للفرد داخل بيئة العمل هما عاملان لهما تأثير كبير، ويتضاعف هذا التأثير في سياق دينامية الجماعة، يمكن لعضو واحد يحمل موقفاً سلبياً أن يؤثر كلياً على سير العمل، وهذا ما يُعرف بـ”العدوى المزاجية”.
تآكل الأداء والإنتاجية
عندما يأخذ أحد الأعضاء موقفاً سلبياً، يصبح مزاجه السيئ، أو عدم تركيزه، أو تفاعلاته السطحية مع الزملاء، عاملاً قوياً يؤثر على الجو العام.
يؤكد الخبراء أن هذه “الاختلافات العاطفية الملحوظة” لها تأثير مباشر على:
- اتخاذ القرار: حيث يمكن للمزاج السلبي أن يدفع الفريق لاتخاذ قرارات متشائمة أو متحفظة.
- حل المشكلات: يصبح الأفراد أقل استعداداً للمخاطرة وتقديم الحلول الإبداعية.
- الإنتاجية والأداء: ينخفض الدافع الجماعي بسبب الإحساس السلبي أو الكآبة المنتقلة من فرد إلى آخر.
هذا يؤدي إلى تآكل الثقافة العامة للشركة، حيث يمكن أن تتحول بيئة العمل الصحية إلى بيئة مليئة بالتوتر والسلبية، مما يهدد كفاءة الفريق ككل.
إقرا أيضا: دينامية الجماعات الصغرى: جماعة القسم
الخاتمة: كيف نحول السلبيات إلى قوة؟
لا يعني وجود سلبيات دينامية الجماعة أن العمل الجماعي سيئ بطبعه، بل يعني أنه يتطلب قيادة واعية وإدارة حكيمة، مشاكل العمل الجماعي التي ذكرناها، من المنافسة القاسية إلى الكسل الاجتماعي والولاء المفرط، كلها ظواهر يمكن التغلب عليها.
يكمن الحل في:
- تعزيز “المنافسة التعاونية”: تشجيع التنافس الذي يصب في صالح هدف الفريق الأكبر.
- خلق مساحة للنقد الآمن: ضمان أن الأعضاء يمكنهم التعبير عن آرائهم المعارضة دون خوف من الرفض.
- تحديد المسؤوليات الفردية: التأكد من أن كل إنجاز جماعي يرتبط بتقدير واضح للجهد الفردي المبذول.
- معالجة السلبية مبكراً: التدخل السريع لمعالجة المواقف السلبية قبل أن تتحول إلى “عدوى” تصيب الفريق بأكمله.
إن فهم هذه أضرار ديناميكية الجماعة هو الخطوة الأولى لبناء فرق عمل أكثر فاعلية، حيث يتم تسخير القوة الجماعية، ويتم في الوقت ذاته حماية إبداع وقيمة كل فرد.



