خلال القرن التاسع عشر، ومع تزايد طموحات الدول الأوروبية التوسعية، بدأ المغرب يتعرض لسلسلة من الضغوط الاستعمارية الشديدة التي استهدفت سيادته ووحدة أراضيه.
فهرس المقال
فما هي أشكال هذه الضغوط؟ وكيف حاول المغرب مواجهتها؟ وما هي العوامل التي أدت في النهاية إلى فرض نظام الحماية عليه سنة 1912م؟
أولا: أشكال الضغوط الاستعمارية على المغرب خلال القرن 19م
تعرض المغرب لنوعين رئيسيين من الضغوط التي مهدت للسيطرة عليه:
1. الضغط العسكري
- فرنسـا: بعد احتلالها للجزائر، بدأت فرنسا تتحرش بالمغرب عسكرياً، وقعت معركة إيسلي سنة 1844م التي انهزم فيها الجيش المغربي، نتج عن هذه الهزيمة توقيع معاهدة للا مغنية سنة 1845م، وهي معاهدة تركت الحدود بين المغرب والجزائر غامضة عمداً في قسمها الجنوبي، مما سمح لفرنسا بالتوسع مستقبلاً في الأراضي المغربية.
- إسبانيـا: استغلت إسبانيا بعض المناوشات على حدود مدينتي سبتة ومليلية لشن حرب تطوان (1859-1860م)، انتهت هذه الحرب أيضاً بهزيمة المغرب، وفُرضت عليه شروط قاسية في معاهدة صلح تضمنت دفع غرامة مالية ضخمة أفرغت خزينة الدولة وأثقلت ديونها.
2. الضغط الاقتصادي والتجاري
سعت الدول الأوروبية إلى فتح السوق المغربية أمام منتجاتها بالقوة، وذلك عبر توقيع معاهدات غير متكافئة، أهمها:
- المعاهدة المغربية-الإنجليزية (1856م): منحت هذه الاتفاقية امتيازات واسعة للتجار الإنجليز، مثل حرية التجارة وتخفيض الرسوم الجمركية، مما أضر بالحرفيين والتجار المغاربة وأدى إلى إغراق السوق بالبضائع الأوروبية.
- اتفاقية مدريد (1880م): عززت هذه الاتفاقية نظام “الحمايات القنصلية”، حيث أصبح بعض المغاربة المتعاملين مع الأجانب يتمتعون بحماية قناصل بلادهم، فلا يخضعون للقانون المغربي ولا يدفعون الضرائب، مما أضعف سلطة المخزن (الدولة المغربية).
ثانيا: محاولات الإصلاح وفشلها
لمواجهة هذه الضغوط، قام السلطانان سيدي محمد بن عبد الرحمن والمولى الحسن الأول بمجموعة من الإصلاحات لتحديث الدولة المغربية، شملت هذه الإصلاحات:
- المجال العسكري: تكوين جيش نظامي، وشراء أسلحة حديثة من أوروبا، وإرسال بعثات طلابية للتدرب في الخارج.
- المجال الاقتصادي: فرض ضريبة جديدة عُرفت بـ “الترتيب” لضمان مداخيل قارة للدولة، وتطوير بعض الزراعات الصناعية (قصب السكر، القطن).
- المجال الإداري والتعليمي: إصلاح إدارة المراسي (الموانئ) وتطوير التعليم.
لكن مصير هذه الإصلاحات كان الفشل، وذلك لأسباب متعددة:
- أسباب داخلية: معارضة العلماء والفقهاء وبعض الزوايا لهذه الإصلاحات باعتبارها “بدعاً” وتشبهًا بالأوروبيين، بالإضافة إلى تزايد ثورات القبائل.
- أسباب خارجية: لم تكن الدول الأوروبية ترغب في نجاح هذه الإصلاحات وظهور مغرب قوي، فعملت على إعاقتها عبر زيادة حجم الديون والتدخل في شؤون المغرب الداخلية.
ثالثا: التمهيد لفرض الحماية على المغرب
أدى فشل الإصلاحات وتزايد الديون الخارجية إلى تدهور الأوضاع الداخلية السياسية والاقتصادية في المغرب مطلع القرن العشرين، استغلت فرنسا هذا الوضع لـ:
- عقد اتفاقيات سرية: مع إيطاليا (1902)، إنجلترا (الاتفاق الودي 1904)، وإسبانيا (1904) لضمان عدم معارضتهم لمشروعها في المغرب مقابل تنازلها لهم عن مصالح في مناطق أخرى (ليبيا، مصر).
- التدخل العسكري: بدأت فرنسا تحتل أجزاء من المغرب، مثل وجدة والدار البيضاء سنة 1907م.
- عزل السلطان: تم عزل السلطان المولى عبد العزيز وتعيين أخيه المولى عبد الحفيظ الذي وجد نفسه مضطراً في النهاية للتوقيع.
في 30 مارس 1912م، تم توقيع معاهدة الحماية في فاس، والتي فقد المغرب بموجبها سيادته واستقلاله، وتم تقسيمه إلى ثلاث مناطق نفوذ:
- منطقة نفوذ فرنسي في الوسط.
- منطقة نفوذ إسباني في الشمال والجنوب.
- منطقة دولية في طنجة.
خاتمة
وهكذا، كان تضافر الضغوط الأوروبية العسكرية والاقتصادية، مع محدودية الإصلاحات الداخلية، سبباً مباشراً في فقدان المغرب لاستقلاله وبداية مرحلة الكفاح الوطني من أجل الحرية.