ملخص النظرية السلوكية – الاستعداد لمباراة التعليم

تُعد النظرية السلوكية (Behavioral Theory) إحدى الركائز الأساسية في علم النفس الحديث، وهي المدخل الذي أحدث ثورة في فهمنا لكيفية تعلم الإنسان والحيوان وتشكل سلوكهما، بخلاف النظريات التي تركز على ما يدور داخل العقل (مثل الأفكار والمشاعر غير الملموسة)، تركز السلوكية بشكل أساسي على السلوك الظاهر القابل للملاحظة والقياس.

هذا المقال سيأخذك في رحلة مبسطة لاكتشاف ماهية هذه النظرية، وأهم روادها، ومفاهيمها الرئيسية التي تُفسر التعلم والسلوك.

نشأة النظرية السلوكية وأهم روادها

ظهرت النظرية السلوكية في بدايات القرن العشرين، وتحديداً عام 1913، كرد فعل على المنهجيات التي كانت تعتمد على الاستبطان (دراسة الخبرة الذاتية الداخلية)، حيث دعا جون واطسون (John B. Watson)، الذي يُعتبر أبو السلوكية، إلى جعل علم النفس علماً موضوعياً شأنه شأن العلوم الطبيعية، ورأى واطسون أن موضوع علم النفس يجب أن يكون السلوك القابل للملاحظة والتنبؤ والتحكم.

وقد تطورت السلوكية على يد عدة علماء بارزين، لكل منهم إسهامه المميز:

  1. إيڤان باڤلوف (Ivan Pavlov): رائد الإشراط الكلاسيكي، وهو نوع من التعلم يتم فيه ربط مثير محايد (كالجرس) بمثير طبيعي (كالطعام) ليصبح قادراً على إحداث استجابة شرطية (كإفراز اللعاب).
  2. إدوارد ثورندايك (Edward Thorndike): صاحب قانون الأثر، الذي ينص على أن الاستجابات التي تُتبع بنتائج مُرضية (تعزيز) يزداد احتمال تكرارها، أما الاستجابات التي تُتبع بنتائج غير مُرضية (عقاب) يقل احتمال تكرارها، وهذا يشكل أساس التعلم بالمحاولة والخطأ.
  3. ب. ف. سكنر (B. F. Skinner): أهم رواد الإشراط الإجرائي (أو الفاعل)، يرى سكنر أن السلوك تحدده النتائج التي تليه (التعزيز أو العقاب)، وأجرى تجاربه الشهيرة على الحيوانات في “صندوق سكنر”، وركز على مفهوم التعزيز في تشكيل السلوك.

المفاهيم الأساسية في النظرية السلوكية

لفهم كيف نتعلم سلوكياتنا من منظور السلوكية، لا بد من الإلمام بالمفاهيم الأساسية:

1. المثير والاستجابة

هذا هو النموذج الأساسي في السلوكية، يُقصد بـ المثير (Stimulus) أي عامل خارجي (كصوت، أو ضوء، أو سؤال) يُحدث استجابة (Response) وهي السلوك الظاهر كرد فعل على هذا المثير (كالجري، أو الكلام، أو التعرق)، التعلم هو عملية تكوين أو تعديل الارتباط بين هذين العنصرين.

2. التعزيز (Reinforcement)

يُعد التعزيز حجر الزاوية في النظرية السلوكية، وهو كل ما يُقدم بعد استجابة معينة بهدف زيادة احتمال تكرار هذا السلوك في المستقبل.

  • التعزيز الإيجابي: إضافة شيء مرغوب (مثل مكافأة، أو مدح، أو طعام) بعد السلوك لتقوية هذا السلوك، فمثلاً إذا مدح المعلم التلميذ على إجابته الصحيحة، سيزيد احتمال إجابته مرة أخرى.
  • التعزيز السلبي: إزالة أو تجنب شيء غير مرغوب (مثل إيقاف صوت مزعج، أو إعفاء الطالب من واجب صعب) بعد السلوك لزيادة احتمال تكراره.

ويتم تقديم التعزيز وفق جداول التعزيز المختلفة، مثل التعزيز المستمر (بعد كل استجابة صحيحة) أو التعزيز المتقطع (بعد فترات أو أعداد استجابات متغيرة أو ثابتة) لضمان استمرار السلوك.

3. العقاب (Punishment)

العقاب هو الإجراء الذي يُقدم بعد الاستجابة ويهدف إلى تقليل احتمال تكرار السلوك غير المرغوب أو إيقافه.

  • العقاب الإيجابي: إضافة شيء غير مرغوب (مثل توبيخ، أو عمل إضافي) لتقليل السلوك.
  • العقاب السلبي: إزالة شيء مرغوب (مثل سحب لعبة مفضلة، أو الحرمان من امتياز) لتقليل السلوك.

تؤكد السلوكية على أن التعزيز أكثر فعالية في تعديل السلوك من العقاب.

4. الانطفاء (Extinction)

الانطفاء هو اضمحلال أو ضعف الاستجابة الشرطية وتوقفها تدريجياً، ويحدث نتيجة التوقف عن تقديم التعزيز (أو المثير الطبيعي) الذي كان مصاحباً لها. على سبيل المثال، إذا توقف الموظف عن بذل جهد إضافي لأن جهده لم يعد يقابَل بمكافأة أو تقدير.

5. التمييز والتعميم

  • التعميم: استجابة الفرد بنفس السلوك لمثيرات مشابهة للمثير الأصلي.
  • التمييز: القدرة على التفريق بين المثيرات والاستجابة فقط للمثير الصحيح.

تطبيقات النظرية السلوكية في الحياة اليومية

لا تقتصر النظرية السلوكية على التجارب المعملية، بل لها تطبيقات واسعة ومؤثرة في مجالات متعددة:

  • التعليم: تُستخدم مبادئها في تصميم المناهج، وتحديد الأهداف السلوكية القابلة للقياس، وتطبيق نظام المكافآت لتعزيز سلوك التعلم الجيد والدافعية، واعتماد أسلوب المحاولة والخطأ والتكرار لتثبيت المهارات والمعلومات.
  • تعديل السلوك: تعتبر السلوكية هي الأساس العلمي لبرامج تعديل السلوك، والتي تُستخدم لعلاج العديد من المشكلات السلوكية والنفسية، مثل التخلص من الفوبيا (المخاوف المرضية) عن طريق الإشراط الكلاسيكي، أو تعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مهارات جديدة عبر التعزيز الإجرائي والتشكيل.
  • التسويق والإعلان: تُستخدم مبادئ المثير والاستجابة لربط المنتجات (مثير شرطي) بمشاعر إيجابية (استجابة شرطية) عبر تكرار الإعلانات وتصاميمها الجذابة.
  • التدريب وتكوين العادات: يعتمد بناء العادات الجيدة أو التخلص من العادات السيئة على مبدأ التعزيز والتكرار وتطبيق النتائج الإيجابية والسلبية مباشرة بعد السلوك.

نقد النظرية السلوكية

رغم أهمية النظرية السلوكية وإسهاماتها الكبيرة، إلا أنها واجهت انتقادات عديدة، أبرزها:

  1. إهمال العمليات العقلية: يرى النقاد أن السلوكية تتجاهل العمليات الداخلية المعرفية (مثل التفكير، الإدراك، الذاكرة، النية) وتعتبرها “صندوقاً أسود” لا يمكن دراسته.
  2. اختزال الإنسان: تُتهم النظرية باختزال السلوك البشري المعقد إلى مجرد استجابات آلية للمثيرات، مثل سلوك الحيوان، متجاهلة الجانب الإنساني والدافعية الداخلية.
  3. عدم تفسير التعلم المعقد: تجد السلوكية صعوبة في تفسير بعض أنواع التعلم المعقد، مثل حل المشكلات والتعلم بالاستبصار، والتي لا يمكن تفسيرها بشكل كامل عبر مبادئ الإشراط البسيطة.

إقرا المزيد عن نظريات التعلم:
🔰 النظرية الجشطالتية
🔰 النظرية البنائية
🔰 النظرية السوسيو بنائية
🔰 النظرية المعرفية

الخلاصة

تبقى النظرية السلوكية منهجاً قوياً وفعالاً، خاصة في فهم وتعديل السلوكيات الواضحة والقابلة للقياس، ولقد مهدت الطريق أمام ظهور نظريات أخرى، مثل السلوكية الهادفة (المعرفية)، التي قدمها تولمان، والتي حاولت دمج المبادئ السلوكية مع الإدراك والعمليات المعرفية لتقديم تفسير أكثر شمولاً لعملية التعلم.

إن فهم مفاهيم النظرية السلوكية هو مفتاح لفهم كيف تتشكل عاداتنا وتفاعلاتنا مع البيئة المحيطة بنا.

هذا الفيديو يشرح بالتفصيل مفاهيم النظرية السلوكية، بما في ذلك المثير والاستجابة والتعزيز والعقاب،

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *