في اطار أهم مراحل اصلاح التعليم في المغرب، عرفت منظومة التعليم منذ العصر الحديث الى الأن، مجموعة من التغيرات ومحاولات للإصلاح والاندماج مع متطلبات سيرورة الحضارة البشرية ككل.
فهرس المقال
وفي هذا الإطار يمكن تقسيم مراحل اصلاح التعليم في المغرب إلى أربع مراحل هامة وأساسية.
1- مرحلة ما قبل الحماية الفرنسية و الاسبانية
وهي مرحلة ما قبل عام 1912م كان فيها التعليم في المغرب تعليما تقليديا، مؤسسا على منهاج الدولة الإسلامية في طرائق التدريس، وقوامه كانت ضوابط مستوحاة من مظاهر التعليم في العصور الوسطى المرتبطة بالعالم الاسلامي.
حيث كانت مراكز التعليم الاساسية عبارة عن زوايا و كتاتيب قرآنية و مساجد، وهي نفسها المراكز التعليمية التي كانت سائدة في العالم الاسلامي منذ نشأة الحضارة الاسلامية وتفرع جذورها التي امتدت من اقصى المشرق العربي الى اقصى غرب شمال افريقيا .
2- مرحلة المغرب المحمي
تمتد هذه المرحلة من سنة 1912م الى 1956م كان فيها المغرب تحت الحماية الفرنسية، ومن المعلوم عند المطلعين على بنود معاهدة الحماية التي ابرمت في مارس 1912م، أن أهم ما جاءت به هذه المعاهدة هو ترخيص المغرب لفرنسا القيام بمجموعة من الاصلاحات في مجالات مختلفة ومنها كان قطاع التعليم.
وأول ما قامت به الحماية الفرنسية في اطار اصلاح التعليم في المغرب هو احداث مجموعة من المدارس في مختلف المناطق داخل المملكة، وإخراج التعليم من شكله التقليدي الى العصرنة.
وكانت من نتائج تكلف الحماية الفرنسية بتسيير وتدبير منظومة التعليم بالمغرب مجموعة من التبعيات:
- فرنسة التعليم المغربي بالكامل، ولم تعد لغة التدريس هي اللغة العربية كما كان في السابق.
- تكليف أطر اجنبية بتدريس المتعلمين المغاربة.
- كل المواد الدراسية التي كانت تدرّس داخل أسوار المدرسة كانت تحمل مضامين تعليمية تخدم سلطات الحماية، بمعنى أن التعليم كان نظاميا وغير مستقل عن السياسة العامة التي كانت تتحكم في تسيير البلاد في تلك الفترة.
3- مرحلة ما بعد استقلال المغرب من 1956م إلى عام 1999م
تميزت هذه المرحلة بمجموعة من المحاولات الاصلاحية التي نهجها المغرب من اجل الاعتماد على ذاته في تدبير قطاع التربية والتعليم، وإخراجه من الفرنسة ونفض غبار الحماية الفرنسية عليه، وذلك وقف تدابير كرونولوجية كما هو موضح في الاتي:
– بعد استقلال المغرب: اول ما تم القيام به هو تشكيل اول وزارة تخص قطاع التعليم بالمغرب، وكانت في تلك الفترة تضم بعض الوزراء المنتمين الى حزب الاستقلال، وأههم علال الفاسي.
– عام 1957م: تم إحداث اللجنة العليا لإصلاح التعليم، التي تبنت المبادئ الأربع المعروفة: التعريب، التوحيد، المغربة، التعميم. فأقرت على ضرورة:
- تعريب التعليم
- توحيد البرامج التعليمية
- مغربية التعليم والخروج من نفق الفرنسة الذي كان مسيطرا على مغرب الحماية
- تعميم التعليم على كل الفئات المغربة
- تحديد سلك التعليم الابتدائي في خمس سنوات
- احداث جامعات وكليات مغربية وطنية
– عام 1958م: تم إحداث اللجنة الملكية لإصلاح التعليم، وكان من أبرز مقرراتها:
- التراجع عن قرارات اللجنة السابقة
- ادراج اللغة الفرنسية في التعليم وخاصة أثناء تدريس المواد العلمية
- تحديد سلك التعليم الابتدائي في ست سنوات
– عام 1959م: تم إحداث لجنة ثالثة والتي عرفت باسم لجنة التربية والثقافة التي قررت وضع مجموعة من الاصلاحات منها:
- إحداث مجلس أعلى للتعليم ذو صفة استشارية
- تعيين اطر مغاربة
- إبقاء على اللغة الفرنسية كلغة للتدريس في السلك الابتدائي
– عام 1964م: تم عقد مناظر وطنية في غابة المعمورة التي تقع بين مدينتي الرباط و القنيطرة، وعرفت بمناظرة المعمورة، التي ضمت مجموعة من ممثلي الاحزاب السياسية والنقابية، وكان من أهم مخرجاتها:
- تعريب التعليم في سلك الابتدائي بشكل كامل
- الابقاء على تعليم اللغات الاجنبية ابتداء من سلك الاعدادي وفق متطلبات المواد الدراسية
- اعلان أن اللغة الرسمية للتعليم في المغرب هي اللغة العربية
– عام 1967م: في هذه السنة تراجع المغرب مرة أخرى عن مسألة التعريب وعاد إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، مما جعله كذلك يتراجع عن فكرة مغربة الأطر التعليمية.
– عام 1970م: تم عقد مناظرة وطنية عرفت بمناظرة افران الاولى، وكان أهم ما دعت به هو العودة الى مبدأي التعميم ومغربة الأطر التعليمية.
– وفي نفس العام قام 500 عالم ومثقف مغربي بإصدار بيانا يحذرون فيه من تبعيات ازدواجية اللغة في التعليم، ويؤكدون على ضرورة اعتماد اللغة العربية كلغة أساسية في التعليم، لأن ازدواجية اللغة تلك حسب نظرهم اهانة للغة العربية التي ظلت منذ عهود طوال لغة الحضارة المغربية العتيقة.
– عام 1973م: تم طرح البرنامج الاستعجالي (في خمس سنوات) من قبل المخطط الخماسي، والذي دعا إلى ضرورة تنفيذ مبدأي التعميم ومغربة الأطر التعليمية.
– عام 1980م: تم عقد مناظرة وطنية ثالثة عرفت باسم “مناظرة افران الثانية”، التي كان من مخرجاتها إحداث لجنة هدفها وضع تصور شامل ومتكامل لـ اصلاح التعليم في المغرب، وبدأت أشغالها بدايةً بنية وضع “الميثاق الوطني للتعليم”، لكنها في النهاية اكتفت بوضع وثيقة أولية للتعليم.
– وفي نفس السنة أيضا تم اصدار “مشروع إصلاح التعليم” والذي كانت غايته توجيه المتعلمين إلى التكوين المهني باعتباره طريق تحقيق النمو الاقتصادي في البلاد، ومن أجل تحقيق تلك الغاية تم تحديد سقف استقطاب الجامعات للطلبة.
– وفي نفس السنة أيضا تم إصدار ما سمي بالمخطط الثلاثي، الذي نص على ما يلي:
- ضرورة تعميم التعليم في القرى المغربية
- تحديد سقف ولوج الطلبة الى المدارس العليا، وتحديد مدة التكوين الجامعي في أربعة سنوات
– عام 1994م: دعى الملك الحسن الثاني رحمة الله عليه لتشكيل “اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم” التي كان من أهم مخرجاتها:
- إلزام تعليم الاطفال ما بين 6 و 16 سنة.
- الإقرار بمجانية التعليم.
- العمل على تفعيل مبدئي التعريب والتوحيد.
– عام 1995م: تدخل البنك الدولي وطالب بإعادة النظر في مسألة مجانية التعليم.
– عام 1999م : تم تشكيل لجنة سميت بـ “لجنة الملكية الاستشارية للتربية والتكوين” التي كان من مخرجاتها إصدار ”الميثاق الوطني للتربية والتكوين”، والذي دخل حيز التنفيذ عام 2000م.
4- المرحلة الرابعة والأخيرة من 1999م إلى الأن
أهم ما يميز هذه المرحلة هو بداية تفعيل الميثاق الوطني في مطلع عام 2000م، وفي عام 2006م شكل الملك محمد السادس ”المجلس الأعلى للتعليم“، الذي أَعد عام 2008م تقريرا حول نتائج تفعيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وأهم ما تضمنه ذلك التقرير هو أن أغلب الأهداف التي سطرها ”الميثاق الوطني للتربية والتكوين” لم تحض بالتفعيل والتطبيق اللازمين، وبالتالي تلى ذلك إصدار برنامجا استعجاليا من عام 2009م إلى 2012م من اجل استدراك ما يمكن استدراكه.
– عام 2014م تم تعديل اسم “المجلس الاعلى للتعليم” إلى “المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي”.
– عام 2015م تم اصدار “الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية” التي أعلن عنها الملك محمد السادس والتي ستنهي اشغالها في افق سنة 2030م.
– عام 2022م تم اصدار خارطة طريق الذي يهدف إلى تحسين جودة التعليم، ومواكبة التحولات الرقمية والتكنولوجية، كما يشمل المشروع تحديث المناهج، تحسين التكوين للمعلمين، وتطوير بنيات تحتية تعليمية جديدة.
وهكذا نجد ان اصلاح التعليم في المغرب عرف مجموعة من التخبطات التي أغلبها لم تحقق أهدافها المرجوة الى الان، و اصلاح التعليم في المغرب لا زال ينقصه مراحل وأشواط طويلة لا نعلم الى متى سيحقق من خلالها الاصلاح الحقيقي.