ملخص درس: الإصلاح الديني – الجذع المشترك

شهدت أوروبا في القرنين 15 و 16 الملاديين، اصلاحات دينية قادتها حركة المصلحون تمهيدا لمواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ستعيشها أوربا بعد الثورة الصناعية في القرن 18م.

  • فما هي دوافع هذا الإصلاح الديني؟
  • ما هي أهدافه؟
  • ما هي ردود فعل الكنسية الكاثوليكية اتجاهه؟

أولا: دوافع الإصلاح الديني بأوربا خلال القرنين 15 و 16م

1- أسباب الإصلاح الديني في أوربا خلال القرنين 15 و 16 الملاديين

هناك الكثير من الأسباب التي حركت نضال المصلحين لإصلاح الدين المسيحي في أوربا خلال القرنين 15 و 16 ملاديين، ومن أهمها:

1️⃣ وعي الإنسان الأوربي وتأثره بالحركة الإنسية: منذ مطلع القرن 15م كانت الحركة الإنسية تدعو الى ضرورة التغيير وإحراز التقدم في كل ما هو فكري وعلمي وفني، ومن أجل تحقيق هذا الهدف انتقدت بعض الممارسات الدينية وسعت إلى فصل الدين عن الدولة وتطبيق العلمانية، ولهذا السبب تأثر المصحون بأفكار الإنسيين.

2️⃣ بيع الكنيسة الكاثوليكية لصكوك الغفران: كان الإنسان المسيحي في أوربا إذا ارتكب ذنبا ويريد طلب المغفرة من الله كانت الكنيسة تلزمه بشراء المغفرة بقدر من المال، وإذا لم يدفع صكوك الغفران فإن ثوبته وطلب المغفرة مرفوضة، وكانت للكنيسة عدة تبريرات لهذا الفعل ومن بينها على سبيل المثال: بيع صكوك الغفران بحجة بناء كنيسة القديس بروما وذلك في عهد البابا جيل الثاني وخليفته ليون العاشر بين سنة 1507م و 1521م، فكان هذا السلوك الذي يتبناه رجال الدين المسيحيين بمثابة الإتجار في الدين.

3️⃣ إخلال البابوية بواجباتها الدينية: كان الكثير من باباوات الكنيسة في أروبا خلال عصر النهضة متهمين بالترف والبذح والرخاء والغنى الفاحش من أموال المحسنين ودفع صكوك الغفران، مثل البابا ليون العاشر (1513م – 1521م).

2- انتقادات المصلحين الدينيين لأفعال الكنيسة تمهيدا للإصلاح الديني

وُجهت العديد من الانتقادات للكنيسة الكاثوليكية في أوربا من قِبل الكثير من المصلحين، من أبرزهم:

📌 جون ويكلف: وهو مصلح إنجليزي، كان يعارض بشدة منح الصدقات للبابوية، خصوصا إذا كان أهل البلاد في أمس الحاجة لأموال تلك الصدقات لحل مشاكلهم، ودعا إلى اصلاح البلاد اقتصاديًا واجتماعيًا من خلال تحويل ممتلكات الكنيسة لهذا الغرض، مع اقراره بأن سلوك رجال الدين لا يتماشى مع تعاليم المسيحية.

📌 جان هس: مصلح تشيكي، قام بانتقاد حاد للكنيسة وطالب بنزع صفة القدسية عن البابا، معتبرا أن سلوكه وأفكاره لا تتماشى مع مبادئ الديانة المسيحية، ثم اتهامته الكنيسة بالهرطقة وقاموا بإعدامه حرقا سنة 1415م بسبب انتقاداته وتصرفاته الفاسدة التي اعتبرت غير متوافقة مع قيم الإنجيل حسب زعمهم.

📌 إيرازم: مصلح هولندي، وجّه انتقادات حادة للرهبان، اتهمهم بالخرافة والظلم والنميمة، ونصح المسيحيين بالعودة إلى الكتاب المقدس، وحثّ على التخلص من السلطة الكاثوليكية التي يعتبرها غير متوافقة مع تعاليم المسيحية.

ثانيا: قيم وأهداف الإصلاح الديني البروتستانتي وردود فعل الإصلاح الكاثوليكي المضاد

1- حركات الإصلاح البروتستانتي

شهدت عدة مناطق في أوربا ظهور حركات إصلاحية دينية بروتستانتية، بما في ذلك:

📌 حركة مارتن لوثر في ألمانيا: مارتن لوثر هو راهب ألماني والمؤسس الفعلي للحركة البروتستانتية وذلك بعد زيارته لروما ومشاهدته للكثير من مظاهر الفساد والتدهور الأخلاقي داخل البابوية، وأهم المبادئ التي جاءت بها هذه الحركة هي:

  • رفض بيع صكوك الغفران، والتأكيد على أن الغفران يأتي من خلال الإيمان وليس عبر الشراء.
  • التأكيد على أن العظمة ليست لرجل الدين وأن الغفران مرتبط بالأعمال الصالحة.
  • الدعوة للعودة إلى الكتاب المقدس وفهمه بشكل صحيح.
  • التأكيد على أن الإيمان يعتبر مسألة فردية ولا دخل للكنيسة فيه.

عرفت أفكار مارتن لوثر شعبية كبيرة في ألمانيا، حتى تعرض للاتهام بالتكفير من قبل البابا بسبب رفضه للصدقات وصكوك الغفران الغير الشرعية، وعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي واجهها لوثر، إلا أنه أصر على ضرورة الخضوع للسلطة الحاكمة وعدم الخروج عن أوامرها، وكان يتبرأ من كل عمل فيه عصيان أو خروجا عن السلطة الحاكمة مثل تبرئه من ثورة الفلاحين سنة 1542م.

📌 حركة أولريش زونغلي و جان كالفن في سويسرا: بدأ أولريش زونغلي حركة الإصلاح الديني في سويسرا، واعتمد فيها على مبادئ لوثر من خلال رفضه لصكوك الغفران والابتزاز المالي من قبل الكنيسة عبر جباية الضرائب والعشور، لكن احتدم الصراع مع القوات الكاثوليكية فكانت النتيجة اندلاع حرب أهلية انتهت بمقتل المصلح زونغلي وهزيمة القوات البروتستانتية في معركة كابل عام 1531م.

بعد انتشار الإصلاح في سويسرا، ظهرت حركة اصلاحية أخرى وهي الحركة الكالفانية نسبة لمؤسسها جان كالفان، وتميزت بتنظيمها الأفضل، وفضل كالفان النضال السياسي بدل العنف والنضال المسلح، فنجح في تأسيس حكومة في جنيف أغلبية ممثليها من البروتيستانت وبهذه الطريقة تغلب على السيطرة الكاثوليكية.

بفضل جهود كالفن وأتباعه، تم تقويض سلطة الكاثوليك وتحقيق نجاح كبير في الإصلاح البروتستانتي، معتمدين في ذلك على مبادئ الحركة التي جمعها كالفن في كتابه مبادئ الدين المسيحي الذي نشر سنة 1535م، ومن أهم هذه المبادئ:

  • اعتبار الكتاب المقدس هو المرجع الوحيد.
  • السيد المسيح وحده هو الذي يشفع للناس عند الله.
  • التبرير بالايمان فقط، أي الخلاص من عقاب الله ودخول الجنة يكون بالايمان فقط.

📌 حركة الإصلاح الديني في إنجلترا بزعامة الملك هنري الثامن: بدأ الخلاف بين الملك هنري الثامن في إنجلترا مع الكنيسة الكاثوليكية في عهد البابا كليمنت السابع بسبب رفض البابا تأييد زواج الملك هنري الثامن من آن بولين وإلغاء زواجه السابق مع كاثرينا آراغون، وذلك بسبب عدم ولادة كاثرينا للذكور ورغبة الملك في وليٍّ ذكر يخلفه على العرش.

هذا الخلاف أدى في نهاية المطاف إلى انفصال الكنيسة الإنجليزية عن الكنيسة الكاثوليكية في روما، وأسفر عن تأسيس الكنيسة الإنجليزية البروتستانتية وبداية حركة الإصلاح الديني في إنجلترا والتي ترأسها الملك هنري الثامن وأعلن نفسه هو القائد الأعلى للبلاد ويتمتع بجميع السلط، وما ساعده في هذا الإصلاح هو انتشار العلمانيين في معضم المدن الكبرى الإنجليزية، كما أن غالبية الشعب الإنجليزي لا يميل الى التصديق الأعمى لرجال الدين.

بعض الإختلافات بين الكاثوليك والبروتستانت
الإصلاح الديني وبعض الإختلافات بين الكاثوليك والبروتستانت

2- ردود فعل الكنيسة الكاثوليكية ومحاولة الإصلاح

فشلت الكنيسة الكاثوليكية في مواجهة تزايد انتشار الإصلاح البروتستانتي، مما دفع رجالها بموافقة البابا إلى تنظيم حملة إصلاحية مضادة، وتمثلت هذه الحملة في عدة مبادرات من بينها:

📌 مجمع ترينت: عُقد لأول مرة في عام 1545م في إيطاليا، حيث أقرت فيه الكنيسة الكاثوليكية أن الكتاب المقدس الصحيح هو صاحب الترجمة اللاتينية ومنعت اقتناء أو قراءة أي ترجمة أخرى للكتاب المقدس مع وضع قصاصًا للمخالفين، وأكدت على سلطة البابا والحفاظ على التراتبية الهرمية لرجال الدين مع إبقاء بيع صكوك الغفران.

📌 منظمة اليسوعيين (Society of Jesus): تأسست على يد القديس إغناطيوس لويولا (Ignatius of Loyola) في عام 1534م، تم تأسيس هذه المنظمة بهدف نشر التعاليم المسيحية ومحاربة الهرطقة البروتستانتية وإقرار الولاء الكامل للبابا.

📌 محاكم التفتيش: تأسست في القرن 12م أثناء مرحلة استيرداد الأندلس ومحاربة المسلمين، فتم إحياؤها مرة أخرى لتصفية البروتستانتيين في ق 16م.

📌 لجنة الثبت: تم إنشاؤها في القرن 16م لمنع انتشار كتب البروتستانت والإنسيين.

هذه الإصلاحات استمرت تحت سيطرة تقاليد الكنيسة القديمة، ولم تتمكن من مواكبة التغييرات الجديدة التي كانت تشهدها المجتمعات الأوربية في ذلك الوقت.

إقرا أيضا: التحولات الفكرية والعلمية والفنية (الحركة الإنسية) – الجذع مشترك

خاتمة

تفاقمت الصراعات الدينية في أوروبا بين انتشار البروتستانتية وعداء الكاثوليكية لها، فظهرت حروب مذهبية لم تبقى داخل الكنائس بل امتدت لتشمل الأنظمة الحاكمة، وكان بعض هذه الأنظمة تقف إلى جانب الكاثوليك وأخرى تقف إلى جانب البروتستانت، مما أدى إلى تصاعد التوترات والصراعات في جميع أنحاء القارة الأوربية.

2 تعليقات

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *